هكذا كان حمودة باشا يعامل القناصل الأوروبيين و يجبرهم على احترام البلاد و عاداتها :
حمودة باشا الحسيني ، باي تونس من 26 ماي 1786 إلى 15 سبتمبر 1814 . عرفت الايالة التونسية في عهده استقرارا داخليا بفضل سياسة التحالف مع الأعيان المحليين كما تميّزت فترة حُكْمِهِ بالازدهار الاقتصادي إذ تطورت الصناعة البحرية و نشطت الحرف المحلية وصارت تصدّر لأوروبا وباقي الحوض المتوسطي. و تبعا لذلك تزايد حضور التجار الأوروبيين في الحاضرة و المدن المينائية كما ارتفع عدد القناصل و تزايدت رغبتهم في التدخل في الشؤون الداخلية بتعلة الذود عن مصالح رعاياهم . غير أن وطنية هذا الباي تصدت لهم و أجبرتهم على احترام عادات البلد و نواميسها كما تشهد على ذلك هذه الواقعة التي رواها أحمد بن أبي الضياف في الجزء الخامس من الاتحاف .
'' و قد كان للباي حمودة باشا عناية عظيمة بالوافدين ، لما يعلم فيهم من نفع للمملكة بإدارة مكاسبها و غير ذلك . فكان يوصي شيخ المدينة و أمين التجار و المأمور بالقمرق بإعانتهم وتسهيل أمورهم و يقول : '' لولا هؤلاء لبقيت نتائج بلادنا و سلعتها على قلوبنا '' و مع هذا فقد كان لا يسلم في شيء من حقه و لوكان حقيرا .
مرّ يوما بباب البحر فسمع صلصلة ناقوس ، فسأل عنه فقيل له بدار قنصل الفرنسيس ، فوقف و قال لباش حانبة الحاج أحمد بن عمار و كان بين يديه قائما بخدمته .:'' توجه بنفسك إلى القنصل و بلغ سلامي إليه ، و قل له إن هذا الناقوس تنفره طباع المسلمين و لكل بلد عادات ، نطلب منكم إزالته '' فأتى باش حانبة إلى القنصل و بلّغ له الرسالة ، فقال له القنصل : ''إن في دارنا رمّا لإصلاح مسكن و إن معلم البناء جعل هذا علامة لاجتماع الخدمة و افتراقهم .'' فقال له باش حانبة : '' حسبي تبليغ رسالة الباي و تبليغ جوابكم'' و أراد الخروج .فقال له القنصل : '' لا تخرج من الدار حتى ترى إزالته . '' وقال للمعلم : ''أزل ذلك الناقوس و اجمع الخدمة بغير حسّه '' . ومن الغد أتى القنصل للباي فقال له الباي ما معناه :'' بعثت لك بالأمس في شأن الناقوس و نعلم أن لا ضرر في وجوده و لا في عدمه . سوى أن عامة المسلمين يكرهون ذلك و يتكلمون في شأني ؛ حيث سمعته بنفسي ، فلزمني أن نبعث لكم ، والحالة هذه .'' فقال له القنصل : لك الحق .، لأن الناقوس في بلداننا مثل المئذنة في بلدان الاسلام .و لكل بلد عادات .''
ابن أبي الضياف ( أحمد ) ، اتحاف أهل الزمان بأخبار تونس و عهد الأمان ، الجزء الخامس ، الدار التونسية للنشر ، 1989 ، ص 94 .